Wednesday, September 21, 2011

A page from my paper Diary




صباح الخير يا أنا ...

ما أغرب هذا الصباح، كنت أودّ أن أقول أن "الوحدة تمتدّ شاسعة حولي" و لكن الأمر ليس هكذا.

إنني و بعد كل هذه السنين من الغوص في الكتب و الروايات و الملاحم و المعاجم أجدني عاجزة عن إيجاد كلمة تصف غرابة هذا الصباح.

ما أغرب هذا الصباح ...
حتى القهوة بلا طعم ، و ضجة الناس في كافتيريا المستشفى تخترقني كما لو كنت ورقة... حتى ذلك الطبيب الصغير الذي كان يتنفس فوق كتفي بفضول في طابور القهوة بدا لي مُحزِناً و بائساً.

في النهاية ما هو الفضول؟

هو شهوة كشف الحجاب عن الأنصاف المحجوبة من كل القصص.

هذه الشهوة التي تدوخني ...الشهوة التي قادتني طوال سنين حياتي...الشهوة التي حددت نيابة عني كل المقاعد التي جلست عليها في المقاهي و المطاعم و الحافلات و الأعراس و المحاضرات ، الكرسي الأقرب إلى ما يثير فضولي...

لكن بالأمس أصابني فضولي في مقتل. كان نهاري طويلا جدا، و كان النعاس يهدهد دماغي داخل جمجمتي.
جلست أمام عمارة خليفة أشرب علبة ميراندا أراقب سيل السيارات و زحمة المساء. ربما استمعت إلى أغنية
Jueves
قرابة العشر مرات.

كنت أشعر بالتعب ... شيء يفوق حدود الجسد. حتى أشجار الجامعة الأردنية كانت تتنهد نيابة عني.. كل عمان كانت تتوهج أمام عيني كاللقطة الأخيرة من فيلم يتوهج قبل أن تسودّ الشاشة.

كنت أحس بشعور واحد فقط واضح المعالم هو الدهشة.

ما الذي يجري تحديداً؟ أيعقل أنني لم أكن أحس بشيء، أم أنها مرة أخرى تلك المشاعر التي لا اسم لها؟ ...
فكّرت حينها بأن إعاقتي النفسية لم تسمح لي على مرّ السنين أن أشعر بشيء غير الدهشة، و أن كل المشاعر الأخرى هي مجرّد محاكاة لما يصفه الناس، أو لشيء عرطه علينا الكذاب الكبير كاظم الساهر، أو لشيء وصفه العرّاط الأكبر جابرييل جارسيا ماركيز...

لا أذكر أن شيئاً نبع فعلاً من أعماق ذاتي دون أن يخرج مشيّعاً بموكب علامات الاستفهام.

لحظة يقين واحدة .. لحظة يقين واحدة تكفيني لأموت هانئة.

لا أعرف لماذا وجدت السلوى في الأغنية .. ظللت أعيدها و أكررها و أفكر بدهشة الأطفال التي كانت تغرق كلّ خلاياي عندما يقترب المترو من الرصيف محمّلاً بكل احتماليات القدر ذاك!!

مدريد ...يا مدريد ... خذيني
شيء بداخلي قد مات ... شيءٌ بداخلي قد مات.. شيء لوى عنقه بالأمس بداخلي و سقط. سقط في اللحظة التي كنت أقف فيها أمام طلابي على وشك أن أبدأ حصتي.

شعرت بالرغبة في أن أقول العبارة التي عاهدت نفسي أن أقولها لطلبتي مطلقاً... شعرت بالرغبة في ان أقول: ''شباب، اليوم مش قادرة أعطي ،خلوها ليوم ثاني ''

المعلمة أمّ و الأمّ لا تعطّل و لا تستقيل و لا تتقاعد.

و هكذا أكملت كلامي...
كنت أفكّر بالدكتور أحمد نوفل عندما قال: ''التعليم يعدل مزاجي'' "أنا عندما أتعب أتعافى أمام طلابي" .... كانت حصة عادية .. فاتنة، كما هو التعليم دوماً... و لكنني شعرت بالأسف مبكراً قليلاً عما ينبغي..

أنا أرى وجوه طلبتي كما لو كانوا زهور كاميليا تطفو على مياه نهر ... متحفزّون ، تهزهم يد الشغف ، جميلون و أنقياء ... هكذا أراهم دائماً.

و لكن التعب يومها أخذ مني فرحي بهم، و شعرت أن مياه النهر تجري أسرع بكثير مني ، و أنني -كما كنت دائماً- سأبقى مع كتبي على جانب النهر لوحدي.

أهذا ما يشعر به مربّو الأجيال؟ أيشعرون بوحشة الكون هذه؟

معتصم كان تعيساً و مبعثراً ، و عماد كان يشعّ بنور الطبيب الإنسان الذي يزين حاجبيه دائماً ، و خالد في زاويته جالساً على طرف مقعده كما لو أنه لا يريد أن يزعج العالم ، شأنه في ذلك شأن كل الأطفال الذين تربوا بين حضارتين، و طارق ينقَّل ضحكته المشاكسة بين غمازتيه و تلك العقدة الطريفة بين حاجبيه.

و أنا؟ أين كنت انا؟
كنت منطفئة إلى أبعد نقطة في تكويني.

هل سيأتي يوم أستطيع فيه أن أروي القصة كاملة، دون أن أقتطع أي شيء من الحقيقة؟

يا رب أريد الحق ... كل الحق ... و لا شيء سوى الحق...

يا عالماً بحالي
عن يوم الثلاثاء
٢٠-٩-٢٠١١
تقوى





No comments: