Friday, July 23, 2010

نص من دفتري :أنشره لحاجة في نفس يعقوب


مضى وقت طويلٌ منذ آخر مرة شعرت فيها بهذا الشعور.

شعور أنني أوشك على الموت!!

سيكون ضرباً من البياخة أن أموت في إسبانيا . ستتبهدل السفارة الأردنية في إجرءات نقل جثتي ، و لن أتسامح مع فكرة أن أدفن في مكانٍ سوى الأردن. ضع جانباً فكرة أن أهلي سيحزنون كثيراً إذا ما متّ و انا بعيدة.

هنالك سيناريوهان (صيغة المثنى من سيناريو) مقترحان لتفسير الحالة: الأول أنني لا أرى المستقبل. في العادة لدي القدرة على التخطيط لعشرين سنة إلى الأمام. و لكنني منذ فترة أعجز عن التخطيط و لا حتى للعشرة دقائق القادمة. و خاصة عندما أفكر بأن إسبانيا قادمة، أجد قلبي في حالة هدوء غريبة!! للحظات (باتت عديدة الآن) أفكّر بأنني لا أريد أن أذهب. أراجع دوافعي و رغباتي و حماسي و أولوياتي


بالأمس مررت بدقيقة كآبة مستديرة. مستديرة بحيث أشعر أنها بلانهاية و لا بداية، شعرتُ فيها بالرغبة بأن أنسى كل اللغة الإسبانية الموجودة داخل رأسي. لا أعرف لماذا.

أنا أعرف أنني أحب اللغة الإسبانية أكثر من أي شيء في حياتي. أكاد أجزم أنها الشيء الوحيد الحقيقي. الشيء الوحيد الذي أستيقظ سعيدةً كل يوم لمجرّد أنه موجود. الشيء الذي يبرر وجودي و يجعل معركتي جديرة بأن تخاض، حياتي جديرة بأن تُعاش.

هذا الحب كاملٌ كاملُ كاملٌ تماماً. يملأ الحاضر بالشعاع و الماضي بالذكريات الجميلة و المستقبل بالخطط و الواضحة المعالم.

أحياناً لا أصدّق أنني أنا من تعيش هذه السعادة كلها. أنني أنا من تغرق في بحر الرضا هذا.

أريد أن أنفذ إلى أعماق الفكرة فعلاً . أريد أن أعرف لماذا فكرت و لو لثانية أنني أريد أن أعود بحياتي إلى صباح 29-7-2007 ، ذلك الصباح الذي لم أكن أعرف فيه أي كلمة إسبانية.

ربما...

ربما لأن هذا الحب يجعل حياتي أعجوبة، و لأن العيش على مستوى أعجوبة يكون مرهقاً أحياناً.

إن ما حصل من تطوري السريع في اللغة الإسبانية خلال سنتين فقط ، و بعد ذلك سفري إلى قلب الأندلس، أدخل قلبي في فوضى عارمة. إن انتقال الأندلس من مجرد صور جامدة و أسطورية في مجلة العربي إلى واقع رأيته بعيني و لمسته بيدي و اجتاح عليّ وعيي، و عاث فساداً بذاكرتي على مستوى الصوت و الطعم و الرائحة و اللون و التجربة و الموسيقى.. كلّ هذا أثقل قلبي.

إن الأسطورة مسألة مسطّحة و بسيطة يحتفظ بها الإنسان داخل أفكاره ، و يحتفل فيها بمشاعره. أما أن تعيش الأسطورة كما يعيش الناس حياتهم، فإن هذا ... دعنا نقول: إن هذا "محيَر".

لا أريد أن أقول أن إسبانيا صدمتني. لأن هذا ليس دقيقاً و لكنني أشعر بخيبة. بالضبط كما قالت "أبييانيدا" في رواية "الهدنة"، أن المغارة الزرقاء لم تكن في النهاية ،إلا مغارة فيها نبع ماء، عندما تضع يديك فيه فإنهما تبدوان زرقاوين و مضيئتين بعض الشيء.

أنا وضعت يدي في ماء هذا النبع و ما زلتُ أنتظر معجزة. الحياة ليست معجزة. الحياة حياة. يمكننا أن نراها بفرح. أن نحتفي بها ، و لمنها لن ترقَ إلى مستوى كرنفال الفرح و المفاجآت الذي ننفخه داخل رؤوسنا.

ربما أردت أن أرجع إلى نقطة الجهل تلك ، لأستعيد ألق ذلك الحب ، عندما كان مجرّد مغازلة ...

مضى بين السطر الماضي و هذا السطر دقيقة. جلست فيها سارحة الذهن أتنهد. إنني أشعر بانزياحٍ حمل كبير عن قلبي. لقد احتجت لأن أقول هذا عن إسبانيا و الإسبانية منذ وقت طويل ، و لكنني لم أفعل لأنني لم أشأ أن أنال أو انتقص من قدر هذه المعجزة .. إنها في النهاية: معجزتي الشخصية.

ما أزال مؤمنة أن هذا الحب كامل كامل كامل

كمال صوت فيروز في الصباحات الباردة المورقة .

كمال مشهد عصفور و هو يلتقط كسرة خبز و يطير.

هذا الحب كامل لا ينقص منه شيء إن قلت أنني أخشى من الالتزام، و أخاف من طول الأمد، و اخاف ألا اكون بحجم الأسطورة.

******

ربما أشعر بأنني على وشك الموت لأنني أكتب. لن أتكلم كثيرا عن الأمر، و لكنه واحدٌ من عدة مشاعر درامية جنائزية تنتابني عندما أكتب، أستدر بها شفقتي على نفسي ، و احزن على الدنيا ، و أتلذذ بالكآبة ، و عندها فقط أكتب شيئا جميلاً .

********

الوقت الآن مساء. نحن الآن في حديقة الحارة. ما زلت أشعر بأنني على وشك الموت ، و بأن الأيام تمرّ بطريقة عبثيّة ، و بأن الأشياء الجميلة تنتهي ، و بأنني حيادية جداً ، و في نفس الوقت قادرةٌ جداً على إطلاق الأحكام باطمئنان.

ما زلت أشعر بشيء في جسدي يثقل و يثقل و ينتزع كل رغباتي في الحركة ، ثم ينقلب هذا الشيء كله إلى خفة تجعل المسافات و المساحات مسألة بلا قيمة.

ما زلت أشعر بالرغبة في البكاء، بالسور السميك الذي يفصل قلبي عن عيوني ، و قنواتي الدمعية عن قنوات المنطق فيّ ، أو بشكل أوضح: بالسور الذي يفصل بين التقوات العديدات الموجودات بداخلي.

ما زلتُ أشتاق إلى أشياء مبهمة ، و أشعر بالرقة في لحظات لا صفات لها ، و بينما أمشي تدهمني لحظة أحتاج عندها إلى التوقف التام و النظر حولي . و بينما أتكلّم ينقطع حبل أفكاري المشدود فلا اكاد أجد طرفيه.

ما زلت أبحث عن أغنية محددة مفصلة على قياس ما أشعر به. ما زلت أقص صورة كاظم الساهر من الجريدة باعتباره المفهوم المطلق و البرزخي و الأبدي للرجولة.

يبدو أنني مصابة بنزلة حب عنيفة تسلبني الرغبة في الحياة من حيث تمنحني إياها.

محبتي 21- 7-2010

1 comment:

samura said...

Taqwa. Habibty! I've been reading your blogs and they're very inspiring (especially the ones in arabic)

بذكرني بالأيام اللي كنا نقعد فيها بغرفتك و نحكي عن كل شي و نحس بعظمة!

i deactivated fb and i dont have your email. Mine is samura_atallah@brown.edu. May you please email me ur email so i can have it? I Love and you and I miss you in our way of loving and missing :)

Sam