بالترغيب والترهيب..جمانة غنيمات
رسميا، لم يختلف شيء، وما تزال أدوات التعامل مع مطالب الإصلاح على حالها، ولم تتغير العقلية التي تحكم أسلوب التعاطي والاستجابة للدعوات المطالبة بالإصلاح.
المُخطط لسيناريو التعامل مع الحراك الشعبي بلا أدنى شك يتمتع بذكاء حاد، إذ عكف ومنذ 24 آذار على تجزئة الأصوات وتقسيمها بهدف إجهاض الحراك وإعدام الروح الساعية إلى التغيير.
وتباينت أدوات هذا العقل الذي اتخذ أساليب كثيرة لقتل الحراك، بدأها بإثارة النعرات الإقليمية والحديث عن الأصول والمنابت، لدرجة أرعبت المطالبين بالإصلاح ووضعتهم في مواجهة مع سيناريو خطير كنتيجة للمطالبة بالإصلاح إن هم مضوا في مطالبهم، وولدت فيهم مخاوف من انقسام داخلي جعلهم يترددون ألف مرة في المضي قدما قبل أن يتمكنوا من استعادة توازنهم.
أما الأداة الثانية التي استخدمها هذا العقل، ولا أدري من يكون صاحبه، فكانت خلق الفريق المناوئ للإصلاح، ليقف في مواجهة الداعين له، وهذا الفريق تمكن في أكثر من واقعة من تسديد العصي والخناجر والمناقل والحجارة للمسيرات والتجمعات الداعية للإصلاح.
العقل المدبر لم يسقط من حساباته فكرة استخدام الأمن الخشن ضد المتظاهرين، ووضع من بين خياراته أيضا إرهاب وإخافة المعتصمين من خلال الإفراط في بعض الأحيان في استخدام القوة.
والمناسبات التي شهدنا فيها مثل هذا السيناريو مختلفة، وبدأت في آذار وتكررت في شهر أيار وتحديدا يوم مسيرة العودة حيث تم الاعتداء على المشاركين، إضافة إلى يوم 16 تموز الأسود الذي تم خلاله الاعتداء على الصحافيين وضربهم والاستقواء عليهم وأخيرا أحداث الكرك التي وقعت قبل يومين.
عقلنا المفكر لم يترك خيارا يخدم فكرة قتل الحراك إلا ولجأ إليه، حتى وإن اضطر إلى عقد تحالفات واتفاقات من تحت الطاولة مع بعض الوجوه التقليدية التي قادت جزءا من الحراك لإجهاضه، خصوصا وأن مثل هذه الوجوه حققت مصلحة ذاتية تضمن لها البقاء كواجهة شعبية معارضة.
والدبلوماسية كانت أسلوبا مختلفا لجأ له من خطط للمسألة بهدف امتصاص وتجفيف جزء من النبض الشعبي والمتعطش للإصلاح من خلال استقطاب شخصيات بعينها لتفتيت التجمعات وإضعافها وهذه المرة بالترغيب وليس بالترهيب.
أما السلاح الأخير وهو الأهم برأيي فيتمثل بالمماطلة التي راهنت على النفس الطويل في اتخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية، والغاية واضحة وهي تذويب الاندفاع نحو الإصلاح على قاعدة أن النية غير متوفرة للتغيير ولا جدوى من النزول إلى الشارع أو حتى الانضمام للأحزاب.
بيد أن ما لم يحسب حسابه أن المماطلة والتسويف قد تأتي بنتائج مختلفة وغير متوقعة وهي ارتفاع وتيرة المطالب وسقوفها وهي مسألة لا يريدها أي كان، إذ لم يكن تصاعد وتيرة الحراك خلال الفترة الماضية مفاجئا، وسط التجاهل الرسمي لمطالب المحتجين والمماطلة بالاستجابة لتطلعات وأصوات ترنو إلى الحرية والكرامة.
الأدوات السابقة كلها لن تنفع بعد أن أدرك الجميع أن للحرية طعما مختلفا، وعليه، فإن من المجدي جعل التعديلات الدستورية التي قدمتها اللجنة بابا لإصلاح حقيقي بعد أن تصبح جزءا من المعادلة الجديدة.
No comments:
Post a Comment