ما أضيق العيش .. و دعوني من فسحة الأمل، لا أريد أن أشغل نفسي بها. الأمل يُضجرني ، كلّ شيء يضجرني ، و الشيء الوحيد الذي أرغب في عمله هو النوم.
النوم مُذْهِب للعقل و حلال و أنا متعبة جداً جداً جداً، مجرّد فكرة الاستمرار في اليقظة ترهقني .. يرهقني التواصل الاجتماعي بكل أشكاله، بدءاً من التعايش مع والديّ في البيت و انتهاءً بآليّة التقاء عيوني مع عيون الغرباء عندما أمشي في الشارع.
بالأمس نمتُ كما لم أنم منذ زمن. ذلك النوع من النوم كالبحر الذي له ظُلل. طبقاتٌ و طبقاتٌ من اللاوعي، و ذلك التعب الذي كان متجمعاً في أطرافي أخذ ينسحب مني كمصرفٍ فُتِحَ فجأة.
أعرف أن هذا ليس التشبيه الأكثر توفيقاً و لكنه الأقرب إلى تجمُّع النعاس و التعب و القرف و الاستياء، الذي كنت أحس به عمليّاً و فيزيائياً في أول خط في جسدي بعد الجلد مباشرة.
مع ذلك عندما استيقظت، شعرت بأمواج النعاس تطوّحني في عالم اليقظة. أهنالك بشرٌ غيري ممّن ينزلقون على الموكيت و يرتطمون بالأثاث بشكل يومي؟ و بعد ذلك هنالك طابور الموج الذي يرتطم بأغشية أذني من الداخل .. الدّوار .. الدّوار يأتي واضحاً واضحاً لا شية فيه، يسحب الأرض من تحت قدميّ و يلصقها على الجدران ، لا شيء في مكانه سواي ...
أراني ضعيفة، ضئيلة وسط دوّامة لحمي و دمي ، هرموناتي و إنزيماتي التي تنهش معدتي شخصياً.. أمشي في بيت أهلي كروحٍ قديمة ، أرى الصالون شاسعاً و الممر ممطوطاً لانهائياً ،و الحمام بعيد جداً جداً,,,
يؤسفني أن أقول هذا بعد كل هذا العمر ، و لكنني أشعر بالـ
antipatía
حيال المكان بكل تفاصيله، و لا أسميه إلا بيت أهلي .. ما عاد بإمكاني أن أسمّيه "دارنا" كما كان دائماً .. ما عاد كذلك! ما عاد كذلك ، و أشعر بالتشرّد ، و بشي ءمن الأسى ... و الكثير الكثير من النعاس.
كنت أنام إلى جوار جدّتي عند باب السطح . كنت انام سعيدة جداً جداً بالقرب منها ، و من حرارة جسمها ، و من رائحتها التي تتداخل مع الريحان و القرفة. و لكننا الآن ننام متفرقين في الطابق السفلي منذ انشغل طابقنا بالضيوف.
اففففففت,,,,
توقفت للحظة لأتذكر لماذا قلت كل هذا؟
كنت أريد أن أقول أنني ضجرة من الأمل ، ضجرة من ملامح وجهي، و من عدم إخلاصي لاستيائي ... من انتقالي الأوتماتيكي من مزاج إلى مزاج لأتجنّب المقالب الاجتماعيّة و الحوارات التي قد تأخذ منحىً عميقاً قد يؤدي في التالي إلى قلب معدتي.
أريد أن انام حقاً على سرير يريحني في غرفة أحبها و على وسادة حقيقية، لعدد لانهائي من الساعات ، و دون ان تفتح أمي الباب كل قليل لتنظر إليّ بقرف و استياء يطرد ملائكة النوم...
و أريد أن أستيقظ لأجلس على طاولة تريحني في غرفة أحبها و أدرس كما ينبغي ، و أريد ألّا يكلمني أحد..
أنا ، تقوى ناجح مساعدة أقول و أنا بكامل قواي العقلية أنني لا أريد أن يكلمني أحد و لا أريد أن أكلم انا أحداً.
خلص
finitto
قلت كل شيء ، استهلكت اللغات .. اهترأ الكلام يا جماعة، و لا أجد بداخلي -مهما نقّبت- لا الرغبة و لا القدرة على أن أقول شيئا بعد.
خلص. قلت كل شيء. كتبت كل شيء .. أصلاً لو كانت اللغات رجلاً لقتلتْنِي ... أرهقتها و أنا أهرطق ، عن كل شيء و عن كل أحد ... عن أكبر التجارب و عن أبسط المشاعر ، عن المدن الكبرى و عن أصغر الزقاقات و عن أتفه المقاهي و حتى عن كرة القدم.
لقد قُلت كل شيء، و رغم إيماني بأن الطاقة لا تفنى و لا تستحدث و إنما تنتقل من شكل إلى آخر، إلا أن كل تلك الطاقة التي وضعتها في الكلام ضاعت في الفراغ ... ضاعت .. ضاعت...أنا لا أتكلم لغة أحد.
أنا ...
تلك الطفلة ذات الشعر المنشور المتشابك ، الحافية التي تدور في الحواكير لتعذّب الجنادب و تقطع لكل عنكبوت قدمه السابعة و الثامنة لتلحقه بمجموعة "الحشرات " ... تلك الطفلة هي أنا بلا زيادة و لا نقصان ، و كلّ ما تعلمته منذ ذلك الحين حتى الآن لم يقربني ولا خطوة واحدة من "الآخرين" .
كلُّ الآخرين معاً ، و أنا "معي" ، و يقتلني الضجر ... الضجر ... الضجر و النعاس .
٥-١٠-٢٠١١
No comments:
Post a Comment