عزيزتي تقوى
أنا ، - بصفتي أنت- أعفيك من هذا كلّه، أعفيك من حرب الأعصاب هذه التي لا فائدة تجنى منها.
لقد قررت والله المستعان ، أن أعود إلى الأردن في الفصل الثاني. أنا أكره جامعة غرناطة... أكرهها و يملأ رأسي ضجيج صراخ .. أكره جامعة غرناطة و لا أثق بها ، و لا أستفيد من علمها ، و ما من داع ٍ لأن أستمر في الصراع مع كل شيء لأجل منحة للدراسة في مُنشأةٍ أكاديمية تثير قرفي.
لا أعرف ما هي الأجزاء التي أحتاج أن أذكرها و لكنني أعرف أن زمني مع النساء انتهى، و أن غباء هذه الفئة الإنسانية خنقني. و أعرف –أو عرفت- أنني أحب رشا مثر بكثير مما توقعت.. أكثر من كثيرٍ من "أفضل صديقاتي" و عرفت أن الشهامة و طِيب الأصل هي أفضل ما يمكن للمرء أن يحوزه ، و أسوأ ما يمكن أن يخسره.
و عرفت أن نقاء قلبي ،و صحتي أهم من أهم مكسب أحوز عليه. و عرفت أنني خُلِقتُ لأترجم و أن هذا هو مبرر وجودي. و عرفت أنني شبعت من هذا الهراء، و أن الخطط المرسومة في الهواء تجري كما يحلو لها أن تجري ، لا كما يحلو لي.
و هكذا فإن هذه القصة هنا قد : انتهت.
غرناطة 11-1-2011
ها قد طلع النهار ، الذي يمحو كلام الليل. أفكر بكلام الليلة الماضية ، و لكنني لا أتفجّع كثيراً ، فأنا أعرف أنني في حال اخترت أن أبقى في الأردنية في الفصل القادم ، أو اخترت أن أبقى في غرناطة فسأكون راضية و مرتاحة على الحالين.
لا أقصد أن أقول أن الإيجابيات و السلبيات متساوية لكن نوع الإيجابيات يختلف.
اليوم شيت في غرناطة و نظرت حولي، و عرفتُ أنها لا تتوهج بالجمال لن اليوم هو يومي الأخير قبل السفر، بل لأنها غرناطة .. التي إن بقيت فيها بضعة أشهر أو بضع سنوات ، فستشلع قلبي دائماً عندما أغادرها.
اليوم ذهبت إلى البنك و تنبهت إلى الكلمات التي تعلمتها و انا أجري معاملتي. و اشتريت حذاءً و انتبهت إلى الكلمة التي تعلمتها لأعبّر عن حجم احذاء و قياس قدمي. ثم جئت إلى Dolce Luna (مقهى إسباني باسم إيطالي) فوجدت النادل يحتفظ بدفتر نسيته عندهم ثم ابتسم بسمته الخاصة جداً التي تشعرتي بالترحاب و بالانتماء.
جلست و أمسكت قهوتي و الجريدة و قرأت مقابلة غوارديولا عن فوز ميسي بجائزة الكرة الذهبية ، فقلت لنفسي: لن أخرج من هنا حتى أفرغ من ترجمته. و جلست أترجم و ذهبت إلى البار مرة و سألت النادل عن معنى جملة، ثم سألته عن كلمة afín عندما جاء لي بالقهوة الثانية.
فكرت و أنا أترجم بأشياء كثيرة. بأنني ربما لا أعيش التجربة الإسبانية كما ظننت و لكنها أخذت منعطفاً آخر. فبدلاً من رفيقات السكن الإسبانيات و العائلة الإسبانية ، رافقتُ الندلة الإسبان اللطفاء و المتحررين من كل العقد النفسية التي تربّط الآخرين.
فوصلتُ في النهاية إلى نتيجة أنني ربما تعبت من البحث عن الشقة المثالية و الرفيقات الطيبات كثيرات الكلام ، و تعبت من المناكدة مع النساء المتخلفات الضحايا ، و تعبت من تخلف جامعة غرناطة ، و تعبت من سلاسل السهر و النعاس و الأرق ، تعبت من الجوع و من جرجرة الوقت لأجل الغسيل و التنظيف، و لكنني لم أشبع بعد – بالأحرى لم أبدأ- بالكلمات و المباني و الأمثال و الصياغات الإسبانية.
لهذا النص بقية لا أهمية لها الآن.
12-1-2011
مرصد القديس نيكولاس (مرصد مقابل لقصر الحمراء)
(توضيح للقراء: الوادي هو جزء من مزرعتنا ... قريتي: التي أزورها في نهايات الأسبوع و أعيش باقي الأسبوع ذة عماني دريم)
أجلس الآن على صخرتي في الوادي ..
أشعر بشيء كبير جداً.. كبير بحجم الحرية ، مُسْكِرٌ كالقوّة..
الشمس تتوارى خلف الغيوم و لكنني أعرف أنها موجودة و هكذا –هكذا بالضبط- كان قراري بعدم العودة إلى إسبانيا في الفصل الثاني. حتى لو لم أكن في إسبانيا فأنا اعلم أنها موجودة. و سأرجع –سأرجع عندما يحين الوقت المناسب و سيكون كلّ شي مثالياً.
في طريقنا إلى هنا، توقف بنا أبي عند الجامع الفوقاني و نزل ليصلي العصر. أخذت أنظر إلى قريتي لأرى إن كان الغياب قد وهبها شيئاً جديداً لم تكن تملكه من قبل، فوجدتُ أن وجه الكون يتغيّر و "ازمال" لا تتغير.
الأولاد العرصات ذاتهم يملؤون الشارع و يراقبون العابرين بعيونهم التي تُدبُّ فيها رصاصة، و النظرة النجسة ذاتها للنساء، و نظرة الحسد إلى السيارات و الهواتف المحمولة و إلى الكلاب العفيّة.
حينها تذكّرت جابرييل جارثيا ماركيز و هو يتحدث عن أميركا اللاتينية، إذا قال: "انا فخورٌ لأنني أنتمي إلى كل هذا الخراء" .. أنا أيضاً .. كنت محتاجةً لأن أعرف إن كان من الممكن لفتاة من قعر ازمال أن تملك جواز سفر مزركش بالأختام ، و أن تحلم بمدنٍ كبيرة و عظيمة كبرشلونة ، و ان تصل إليها فعلاً.
كنت محتاجة لأن أتأكد من أنني إنسان و لست صدفةً جنسية كما هم نصف الناس.. كنت أريد أن اعرف أنني حرة.
و بما أنني عرفت و لم أعد محتاجة لأن أثبت لنفسي شيئاً، صار بإمكاني أن أقرر مرتاحة الفؤاد.
في الحقيقة لا أشعر بالحاجة لكتابة أي شيء ، و لكنني أجهز ذاكرتي إن أصابتها نوبة ندم.
لقد قررت أن أعود بناءً على الوعد الذي وعدته لنفسي في التوجيهي بأن أتنازل عن كل معركة تتركني خاوية...
أحبّ غرناطتي (ولا شيء ليضاف على هذه الحقيقة) و لكن شوقي هذه المرة غلب حماسي و وضعني في احتمالية أن أحزن ، و انا لن احزن طالما كان لي الخيار.
إن كان تحمّل الغربة مصدراً غير متجدّدٍ للطاقة، فأنا أفضّل أن اوفّره للماستر و الدكتوراة.
غرناطة ستخزني دائماً، و لكنني – عند هذه النقطة من حياتي – أحتاج لأن أكون إلى جوار عائلتي و أن أعمل بجد على "إدارة الغضب" لكي لا تقف أعصابي في وجه نجاحي ذات يوم.
سيتقلّب الموضوع داخل وجداني كثيراً و لكنني قررت و اتصلت بالمنحة و توكلت على الله، و ليقدّر الله لي ما يعرف بواسع علمه أنه أفضل.
28-1-2011
ازمال
Mansafing with Dad at my grandparents house